المعايير البيئية .. تلاعب وسوء استخدام

بدأت شعبية مطالبة الشركات بالالتزام بما يعرف بالممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة بالتراجع وانهالت الانتقادات لهذا التوجه من جهات استثمارية وتشريعية وأكاديمية وشعبية، فمن المقرر أن يبدأ الكونجرس الأمريكي هذا الشهر حملة كبيرة ضد هذه المبادئ ومعاييرها وطريقة عملها. أبرز الانتقادات الموجهة ضد هذه المبادئ أن معايير التقييم غير موضوعية وغير دقيقة وأنها عرضة للتلاعب من قبل الشركات ومضللة للمستثمرين أكثر من كونها أداة حقيقية للحفاظ على البيئة وتحقيق العدل والمساواة المجتمعية وحسن الحوكمة. إحدى أكبر الجهات الداعمة لتطبيق تلك المعايير هي المؤسسة المالية الأكبر في العالم من حيث الأصول المدارة وهي شركة "بلاك روك" التي أعلن رئيسها الأسبوع الماضي توقفه عن استعمال مصطلح الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة، التي تعرف بالمختصر الإنجليزي ESG، وذلك بسبب الانقسام الكبير الذي أحدثه هذا المصطلح في المجتمعات إلى جانب سوء استعماله من قبل الأطياف اليمينية واليسارية على حد السواء. في البداية كان هناك قبول بمبادئ تقييم الشركات بحسب اهتمامها والتزامها بهذه الممارسات، ولكن بدأت تتضح عدة إشكاليات في تطبيق ال

A person who loves writing, loves novels, and loves life.Seeking objective truth, hoping for world peace, and wishing for a world without wars.
المعايير البيئية .. تلاعب وسوء استخدام

بدأت شعبية مطالبة الشركات بالالتزام بما يعرف بالممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة بالتراجع وانهالت الانتقادات لهذا التوجه من جهات استثمارية وتشريعية وأكاديمية وشعبية، فمن المقرر أن يبدأ الكونجرس الأمريكي هذا الشهر حملة كبيرة ضد هذه المبادئ ومعاييرها وطريقة عملها. أبرز الانتقادات الموجهة ضد هذه المبادئ أن معايير التقييم غير موضوعية وغير دقيقة وأنها عرضة للتلاعب من قبل الشركات ومضللة للمستثمرين أكثر من كونها أداة حقيقية للحفاظ على البيئة وتحقيق العدل والمساواة المجتمعية وحسن الحوكمة.
إحدى أكبر الجهات الداعمة لتطبيق تلك المعايير هي المؤسسة المالية الأكبر في العالم من حيث الأصول المدارة وهي شركة "بلاك روك" التي أعلن رئيسها الأسبوع الماضي توقفه عن استعمال مصطلح الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة، التي تعرف بالمختصر الإنجليزي ESG، وذلك بسبب الانقسام الكبير الذي أحدثه هذا المصطلح في المجتمعات إلى جانب سوء استعماله من قبل الأطياف اليمينية واليسارية على حد السواء.
في البداية كان هناك قبول بمبادئ تقييم الشركات بحسب اهتمامها والتزامها بهذه الممارسات، ولكن بدأت تتضح عدة إشكاليات في تطبيق المبادئ وتأثيرها في نتائج أعمال الشركات وفي كونها أضحت شعارا لبعض الناشطين اليساريين ممن لديهم مواقف متطرفة فيما يخص الحفاظ على البيئة وبعض القضايا الاجتماعية. فبعد أن تم الترويج إلى حجم الاستثمارات في الأصول المرتبطة بمبادئ البيئة والمجتمع وحوكمة الشركات على أنها بلغت 8.3 تريليون دولار في 2021، حدث بالفعل تدفق أموال ضخمة إلى الصناديق الاستثمارية التي أعلنت تبنيها هذه الممارسات، وقامت مؤسسات مالية كبرى بإعداد معايير لقياس مدى التزام الشركات بتلك المبادئ.
منذ 2021 بدأت شعبية هذه المبادئ بالتراجع، وتراجع معها مدى الإقبال على الصناديق المختصة بالاستثمار في الشركات الملتزمة بتلك المعايير، وكانت بداية التراجع نتائج دراسة نشرت في دورية جامعة هارفارد للأعمال في 2022 تبين من خلالها أن باحثين من جامعة شيكاغو قاموا بدراسة 20 ألف صندوق استثماري مقومة بحسب مدى التزامها بمعايير "إي إس جي"، وبأصول تتجاوز ثمانية تريليونات دولار، وتبين أن أداء الصناديق ذات التقييمات العالية لم يختلف عن أداء الصناديق ذات التقييمات المتدنية. ثم جاءت نتائج دراسة قامت بها كل من جامعة كولومبيا وجامعة لندن للاقتصاد مخيبة للآمال بشكل أكبر من مجرد سوء الأداء المالي، حيث قام الباحثون بدراسة واقع الشركات التي تم منحها تقييمات عالية في ممارسات البيئة والمجتمع والحوكمة، وبالتالي تضمينها في صناديق ومحافظ استثمارية مهتمة بتلك الممارسات، وتبين أن هذه الشركات كانت ضعيفة في مدى التزامها وتطبيقها لعدة قوانين متعلقة بالعمل والعمال والبيئة مقارنة بالشركات غير المصنفة بحسب هذه المعايير.
كما تبين للباحثين أن إدراج تلك الشركات من ضمن الشركات الملتزمة وحصولها على تقييمات عالية لم ينتج عنها أي تحسن في التزام تلك الشركات بهذه المبادئ مقارنة بالشركات المصنفة على أنها غير ملتزمة.
عنوان مشروع القانون الذي سيطرح هذا الشهر من قبل لجنة الخدمات المالية في الكونجرس الأمريكي "مسودة مشروع قانون ضد معايير البيئة والمجتمع والحوكمة"، حيث يطالب فيه الأعضاء بتعديل قانون الاستثمارات المتعلقة بالتقاعد، لينص صراحة على ضرورة عدم التفات مديري الصناديق الاستثمارية التي تدير معاشات التقاعد إلى أي جوانب متعلقة بالبيئة والمجتمع وحوكمة الشركات، وأن يكون التزامهم فقط بالمعايير الاستثمارية والمالية التقليدية المعروفة.
توجه أعضاء الكونجرس نحو إلغاء العمل بهذه الممارسات سببه أن هناك أصولا ضخمة تديرها معاشات التقاعد، وهي أصول ذات تأثيرات كبيرة في العوائد التي ممكن أن يحققها المتقاعدون، وبحكم أن قرارات الاستثمار في الشركات تتم من قبل مديري الصناديق وهم من يصوتون على قرارات الشركات في الجمعيات العامة، فمن الواضح إمكانية حدوث تضارب مصالح وتفاوت في المبادئ والأيديولوجيات بين مديري الصناديق والمستفيدين من خدمات هذه الصناديق، وبالتالي تجب إزالة هذه المعايير من قرارات الاستثمار.
في المملكة قامت "تداول" السعودية بنشر دليل إرشادي متعلق بالإفصاحات البيئية والاجتماعية والحوكمة في الشركات المدرجة بهدف حث الشركات على اتباع هذه الممارسات والإفصاح عنها في تقاريرها ونشراتها الدورية، لكن يبدو أن ذلك الدليل حتى الآن مجرد دليل إرشادي غير ملزم. وكما تبين في دول أخرى، فإن هناك من يرى وجود مبالغة كبيرة في نطاق تطبيق هذه المعايير وخلوها من المقاييس الموضوعية وارتفاع تكاليف تطبيقها، إلى جانب أن بعض هذه المعايير معادية لمصادر الطاقة التقليدية ومخالفة لبعض القيم والتقاليد في كثير من الدول، وهناك من يعتقد أن هذه المبالغات قد تضر بالأهداف النبيلة لمبادرات الاستدامة والحفاظ على البيئة، إلى جانب أنها تؤدي إلى مزيد من الانقسام المجتمعي في دول مثل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية.

author: 
Image: 

ما هو رد فعلك؟

like

dislike

love

funny

angry

sad

wow